أربدك-Arbdkتعرف على الدنمارك
يوم الدستور الدنماركي… مسيرة الانتقال الطويل من الملكية المطلقة/ يستحق القرأة /
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
عندما ترتفع في الدنمارك، في الخامس من يونيو/حزيران من كل عام، الأعلام الحمراء المخططة بالأبيض، لا تكون أمام احتفال بيوم عيد ميلاد الملكة مارغريتا الثانية، بل أمام يوم وطني بامتياز، يكتسب قدسية وطقوساً لا يمل منها الشعب الدنماركي منذ العام 1849، وهو ما تعزز في 1953، إذ جرى الانتقال الحقيقي للنظام البرلماني الديمقراطي بعد مئات السنوات من التعديلات على نظام “الحكم المطلق”. وبلغة بعض المحتفلين بيوم الدستور، فإنّ “هذا يوم للشعب، يخرج السياسي من البرلمان ليجتمع بالشعب في الغابات والمدارس والأديرة، ليتذكر بأنه لم يكن ليكون سياسياً لولا الشعب وما حققه من ديمقراطية”.
تروي بيرغيته كريستيانسن، لـ”العربي الجديد”، على وقع تساقط الأمطار، أن “هذا يوم دنماركيتنا… دانسكيهد… بلغتنا، واحتفاؤنا بيومنا هذا يرمز إلى تمسكنا بما حققته الأجيال السابقة من ترسيخ لمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية بنظام حكم ملكي دستوري يحترم مواطنتنا”.
وعن سبب الاحتفال بالمناسبة في الطبيعة، وسط الغابات والأديرة، يجب أندرس قائلاً: “أنتم في العالم العربي بدأتم ثوراتكم في الميادين، أما أجدادنا، فقد تأثروا بالثورة الفرنسية، وكانوا يلجؤون إلى الحقول والغابات والأديرة لإدارة التفاوض مع الملوك للتنازل لهم عن الحكم المطلق، مهددين إياهم بثورة، فضلاً عن أن قصة دساتيرنا المؤسِّسة لحقوقنا توسّطَ فيها رجال الكنيسة اللوثرية الذين كان الملوك يعتبرونهم يدهم الطولى”.
لم يكن التوقيع على دستور العام 1953 سوى تتويج لسلسلة من الدساتير، كان أولها أيضاً في الخامس من يونيو/حزيران 1849، حين وقع الملك فريدريك السابع، المسمّى “فريدريك عزيز الشعب”، على ذلك الدستور الذي أسس لملكية دستورية نزولاً عند رغبة الشعب. والقصة أيضاً ترمز إلى نهاية عهد بدأ عام 1660 بحكم ملكي مطلق تحت مسميات ” قوانين الملوك”.
في العام 1665، ألغيت تعددية “قوانين الملوك” حين صار للدنمارك قانونها، أو دستورها الموحد، تحت مسمى “قانون الملك”، وهو القانون الذي منح فريدريك الثالث سلطة مطلقة، بعد نظام الإقطاعية القديم، وهو في ذلك الزمان الدستور الأوروبي الأول في تشريع الحكم المطلق.
شاهد وسمع فريدريك السابع رغبة الشعب بالحصول على المزيد من الحقوق، وتقليص الحكم الملكي، فقام في الخامس من يونيو 1849، بالتوقيع شخصياً على الدستور الجديد. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح يوماً وطنياً في الدنمارك. ملك صار محبوباً من الشعب، لأنه بعد وفاة والده الملك كريستيان الثامن (1839-1848)، الذي حكم الدنمارك والنرويج، وافق على تقليص سلطاته.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
أُعيدَت صياغة الدستور الدنماركي خمس مرات في الأعوام 1849 و1866 و1915 و1920 و1953. وفي كل مرة، كان الدستور الجديد يحل محل القديم، لكن بقيت روح الدستور الأول في كل الدساتير اللاحقة.
في العام 1866، وبعد حرب شليسفي الثانية مع ألمانيا، وحين خسرت الدانمارك شليسفي وهولستين، منحت الغرفة العليا من البرلمان سلطات أكثر تشدداً، فقد مارس المحافظون اليمينيون حينها ضغوطاً شديدة من أجل صياغة دستور جديد، يمنح الغرفة العليا من البرلمان سلطات واسعة. وبذلك، تم سحب السلطة من الليبراليين الوطنيين.
في تلك الفترة، كان اليمين المحافظ بقيادة يعقوب بورنوم سكافينوس ايستروب، يحكم البلاد بمساندة الملك كريستيان السادس، من خلال نظام حكم الأقاليم. أدى ذلك إلى صراعات طويلة بين الليبراليين، ملاك المزارع، المعروفين اليوم باسم حزب “اليسار”، وهم ليسوا بيسار سوى بالاسم.
الصراع الدستوري استمر حتى 1901، وسميت تلك الحقبة بمرحلة “تغير النظام”، من خلال انتصار الليبراليين. بعد ذلك الانتصار، شعر الملك واليمين بأنه لم يعد أمامهم سوى القبول بمبادئ الحكم البرلماني في الحياة السياسية الدنماركية.
في العام 1915، مُنحت المرأة حق التصويت، وهو ما تطلّب تقديم طلب تغيير الدستور باستفتاء شعبي شرط أن ينال موافقة 45 في المئة من أصوات الناخبين. ثم في العام 1920، جرى استفتاء للدستور الجديد، بعد توحد الدنمارك إثر هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وذلك لتحديد الحدود مع مقاطعة شليسفي وهولستين. وفي الغرفة العليا، تم التأكيد على أن شليسفي العليا دنماركية، وهي المعروفة اليوم بجنوب جوتلاند، بينما بقيت الأجزاء الأخرى من المقاطعة مع ألمانيا، بنتيجة الاستفتاء.
أخيراً، وفي 1953، أُقرّ الدستور الرابع من خلال إلغاء الغرفة العليا، وبات للدنمارك برلمان وطني بغرفة واحدة، وذلك بموجب استفتاء منح الأميرات حق تولي العرش، رغم أنه استمر بتفضيل الذكور على الإناث. إلا أن هذا البند ألغي في العام 2009، حين أُعطي المولود البكر، بغض النظر عن جنسه، الأحقية بتولي العرش.
هكذا، حدّد الدستور الدنماركي الخطوط العريضة لحقوق الإنسان في المواد من 71 إلى 80، وبقيت العائلة الملكية رمزية لا تحكم، رغم أنها هي التي يتجه إليها باستقالته وتشكيله للحكومة، كل رئيس وزراء منتخب.
وفي المواد 12 و13 من الدستور، نقرأ بأن الملك ينفذ سلطته من خلال وزرائه المسؤولين عن الحكم، وهذا يعني بأن الملك/الملكة لا سلطة سياسية له.
أما بالنسبة لسلطة الكنيسة اللوثرية، فأصبحت بموجب المادة الرابعة من الدستور، “كنيسة شعبية”، مدعومة من الدولة، عبر نظام ضريبي يستقطع من الشعب نسبة من الدخل لدعمها. بيد أن القضية ليست إجبارية، فيمكن لأي دنماركي أن يقرر التمنع عن دعم الكنيسة من خلال الضريبة. وفي إطار اللامركزية الإدارية والسياسية، بات الدستور الدنماركي يحدّد، في مادته الـ82، بأن للبلديات الحق، تحت رقابة الدولة، بتسيير شؤونها مستقلة.
** ناصر السهيلي
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});